الاطفال ثروة كل امة، وعماد مستقبلها … ولكونـهم هكذا فقد باتت رعايتهم، والاهتمام بـهم، منذ بدء خلقهم في ارحام امهاتـهم وحتى ولادتـهم ومن ثم احتضانـهم كلها من اولى واجبات إبائهم اولا، والمدارس والدوائر والجمعيات والمنظمات المحلية المعنية بتنشئتهم صحيا وثقافيا واجتماعيا وتربويا ثانيا .
واذا كان لنا نحن الكبار عالمنا الذي نعيش فيه. ونظن اننا نفهم كل ما فيه، فنحن نظن ايضا اننا نفهم اطفالنا، ونفهم مشكلاتهم .. لكننا ننسى دائما ان للاطفال عالمهم .. ولهم مشكلاتهم واوجه سعادتـهم ومناحي شقائهم.. نحن نظن ان حياة الاطفال كلها سعادة ومرح، ونضرب المثل بسعادتهم، ونتمنى ان تعود بنا الحياة لمرحلة الطفولة حتى ننعم بما ينعم به الاطفال من سعادة .
لكن الحقيقة غير ذلك .. فالطفولة ليست كلها صفاء وشمسا مشرقة ولكنها عهد يقابل فيها الطفل مواقف جديدة تتطلب منه ان يتصرف فيها وقد يصحب ذلك شعور بالقلق والحيرة كما يشعر الكبار عند مقابلتهم للمشكلات الخاصة بهم .
وقد ينجح الطفل في التغلب على الصعوبات التي تواجهه ويكون نجاحه هذا عامل يزيد من قدرته في التغلب على المواقف الاكثر صعوبة في المستقبل .. الا ان بعض هذه الصعوبات والمشكلات والازمات التي تجابه الطفل تتخطى حدود الاستطاعة والقدرة العادية تهز شعوره وتهدد كيانه النفسي وتؤدي الى تغير شامل في حياته وحياة اسرته ومجتمعه. ويظهر هذا التغيير واضحا في سلوك مرفوض يتمثل في الهروب من المدرسة وعدم طاعة الوالدين والتدخين والسرقة والجرائم المخلة بالاخلاق والاداب العامة وجرائم القتل والايذاء الجسمي (العراك) وحمل السلاح والتخريب والشغب والتزوير والتشرد (التسول) ومخالفة القوانين … الخ وكل هذه الممارسات من السلوك المرفوض تعد ضربا من ضروب العنف الذي يتعرض له الاطفال او يقومون به .
أسباب العنف:
اخذت ظاهرة العنف بالازدياد بين الاطفال في النصف الثاني من القرن العشرين ويعود سبب ظهورها وازديادهاالى عوامل عدة منها:-
عوامل اجتماعية
عوامل اقتصادية
عوامل بيولوجية
عوامل ثقافية
لماذا التلفزيزن ؟
شبه احدهم التلفزيون في احدى الاساطير بمارد له قوة خرافية وطاقات فوق مستوى التصور البشري، نزل الى قرية فعمل فيها هدماً وتحطيما وتخريبا .فاجتمع حكماء القرية ليتشاوروا في امر هذا المارد الجبار، وانتهى بهم الرأي إلى الشيء الوحيد الذي ينقذهم من شروره وهو ان يقوموا بتركيب عقل في راسه .. وانتهزوا بالفعل فرصة نوم المارد، ونجحوا في ان يركبوا عقلا في راسه. فلما اصبح الصباح كان المارد بقدراته الهائلة قد اخذ على عاتقه مساعدة كل اهل القرية في اعمالهم. ان هذه الاسطورة – والتي تلفت انتباهنا الى ضرورة التخطيط بالنسبة للنشاط التلفزيوني – تعبر عن القدرات الهائلة للتلفزيون في التأثير على الفرد والمجتمع. ومما يدعم اهمية التلفزيون كوسيلة اتصال ثقافية واعلامية فضلا عما ذكر في الاسطورة، الاستبيان الذي اجراه احد المهتمين عن دور التلفزيون واثره في حياة الطفل العراقي، والذي جاء فيه ان (36.05%) من الاطفال الذين شـملهم الاستبيان يفضلون مشـاهدة التلفزيون في اوقات الـفراغ .. بينـما يفضل (6.44%) منـهم سمـاع الراديو، ويفـضل (13.30%) منهم الـذهاب الى السـينما. و(5.58%) يفضلون الذهاب الى المسرح و(11.16%) منهم يفضلون الذهاب الى المنتزه و(17.60%) يفضلون ممارسة الرياضة. (1.72%) يفضلون اللعب في الشارع. ويفضل (8.15%) منهم اكثر من وسيلة.. وهكذا نلاحظ ان اعلى نسبة من الاطفال الذين شملهم الاستبيان يفضلون مشاهدة التلفزيون، لكونه وسيلة متاحة وسهلة الاستخدام وتحتوي على الصورة والصوت معا
بين الرفض والتأييد:
لقد اثار ظهور التلفزيون متاعب شغلت علماء النفس والتربية والاجتماع والاعلام والطب والمعلمين واولياء امور الاطفال .. لقد شغل الجميع .. ولكنه برغم متاعبه قد اصبح الناس في حالة لا يمكنهم الاستغناء عنه. وفي دراسة تتميز بشيء من الطرافة اجرتها احدى المؤسسات العلمية الالمانية طرحت فيها لمن يرغب ان يتوقف عن مشاهدة التلفزيون لمدة سنه كاملة مكافاة مالية مجزية .. وقد بدأ الراغبون – وعددهم مائة وخمسون شخصاً – بالامتناع عم مشاهدة التلفزيون، لكنهم لم يتمكنوا من قضاء المدة المتفق عليها فعادوا جميعا لمشاهدته. وهذا ما يؤكده عدم امكانية الاستغناء عن هذا الجهاز الساحر بالنسبة للصغار والكبار معا .
ان الحاجة للتلفزيون اثارت الجدل حول الاثار التي يمكن ان يحدثها التلفزيون .. وقد ازداد هذا الجدل بانتشار التلفزيون بسرعة فاقت كل وسائل الاتصال الاخرى وكان دخوله الى البيوت التي فيها الاطفال اكبر واسرع من دخوله في أي مكان اخر. الامر الذي قاد الى تصعيد الجدل بين المؤيدين له والمعارضين لارتباطه بالاطفال. وهو جدل يدور حول جملة اسئلة منها :-
هل يعمل التلفزيون على تنمية العادات السلبية ضد الاطفال والانعزال عن المجتمع وانقسام الشخصية .. ام انه عامل ايجابي في هذه المسائل المطروحة ؟
هل يعمل التلفزيون على تشجيع العنف والانحراف والجريمة لدى الاطفال، وانه المدرسة لاعداد الاطفال للانحراف على حد تعبير احد الاطباء النفسانيين ام ان له دور الواعظ الذي يرى الاطفال عاقبة العنف والانحراف والجريمة ويجنبهم بالتالي مغبة التورط فيها؟
وهل ان التلفزيون يؤدي الى افساد الذوق عند الاطفال وان الناس يبيعون ارواحهم من اجل متعة ضئيلة يدفعون ثمنها غاليا فيما بعد .. ام العكس هو الصحيح؟
وهل ان التلفزيون يساعد على تعميق المعلومات المدرسية للاطفال وتوسيعها، ويؤدي الى زيادة تحصيلهم الدراسي .. ام انه يشغلهم عن مطالعة دروسهم؟
ان الاجابة على كل شطر من التساؤلات الاربعة المذكورة انفا غير ممكنة هنا لحاجة كل شطر منها الى بحوث وليس لبحث واحد .. وساقتصر التطرق في بحثي هذا الى التساؤل الثاني، وهو موضوع العنف والعدوان .
العنف والعدوان في برامج التلفزيون واثره على الاطفال:
العنف والعدوان في برامج التلفزيون واثره على الاطفال:
يتلخص هذا الموضوع بنقطتين تتعلق الاولى بتحديد مفهوم العنف، وفيما اذا كان وراثي المنشأ او مكتسبا، او تفاعلا بين الوراثة والبيئة. وتتعلق الثانية بالاجابة على سؤال شغل بال الباحثين والتربويين واولياء أمور الاطفال ذلك هو …،
- هل يتعلم الاطفال العنف والعدوان من خلال مشاهدتهم لبرامج العنف والعدوان في التلفزيون .. والى أي مدى ، وتحت أي ظرف ؟
أن هناك ثلاث نظريات أساسية في تفسير العنف والعدوان :
الأولى /نظرية الغريزة
الثانية /نظرية الدافع او الاحباط
الثالثة /نظرية التعلم ..
وما يهمنا هنا هو النظرية الثالثة التي تؤكد على ان لسبل التنشئة تاثير في ظهور السلوك العدواني بين الاطفال .. وهذا ما ينقلنا الى التساؤل السابق وهو: هل يتعلم الاطفال العنف والعدوان في برامج التلفزيون؟
وللاجابة على هذا السؤال توجد نظريتان :
الاولى / نظرية التفريغ:
وتقوم هذه النظرية على فرضية مؤداها ان لافلام الرعب والعنف القدرة على تفريغ العدوان والعنف من المشاهد .. واذا كان الامر هكذا فلاتوجد مشكلة تستحق البحث .
والثانية / نظرية النمذجة :
ومؤدى هذه النظرية ان الانسان عندما يتعلم عن طريق المشاهدة، فانه ينتج سلوكه على اساس ما يشاهده .. وان الانسان يقلد الانسان الذي يشبهه او الاقرب اليه .. اذ كلما ازداد تشابه النموذج مع المشاهد (المقلد) ازدادت نسبة تقمص النموذج ولهذه النظرية اسس تقوم عليها. اذ يستنتج من يبحر في تجارب القائلين بها ان روعة مشاهد العنف والعدوان في البرامج التلفزيونية تعمل على استثارة الشعور العدواني عند المشاهد. وان الاطفال يتعلمون من خلال ما يشاهدونه.. وانهم عندما يواجهون ظرفا مناسبا فيما بعد، يحاولون تطبيق ما شاهدوه على الشاشة .